عوض عبيدة مواليد بنغازي عام 1923 حيت درس فيها عبيدة الابتدائية، وفيها أحب مادة الرسم، دون المواد الأخرى، وكانت إرهاصاته الأولى في الثامنة من عمره عندما بدأ عبيدة يرسم بالفحم وأقلام الرصاص والطباشير الملونة على جدران بيوت جيرانه البيضاء ما تلتقطه عيناه من أشياء… وبهذا الفعل ساهم الطفل عبيدة من حيث لا يعلم بنشر الوعي الجمالي.. وبدل أن يكافأ بكلمة إطراء من هنا وهناك.. كان يعاقب من قبل الجيران على تلك الرسوم
ومع مرور الأيام أصبح لاسم (عوض عبيدة) بين أقرانه وتلامذة مدرسته، مكانة خاصة أعطته قدرًا من التفرد والاحترام والتقدير، وبشكل خاص عند مدرس الرسم الإيطالي (فليري) بمدرسة الصنائع ببنغازي، الذي ساعده ووجهه لما لمسه فيه من ميول فنية.. وقدّر فيه موهبته بل صارحه في إحدى المرات بأنه تفوق عليه موهبةً وعطاءً وإبداعاً.
في عام 1946 أقام أول معرض تشكيلي له بمدينة بنغازي، وهو أيضاً، أول معرض تشكيلي يقام في ليبيا. وقد شاهد هذا المعرض كثير من الناس في ذلك الوقت.
في الخمسينات سافر إلى ايطاليا لدراسة الفن دراسة أكاديمية، وانتسب إلى أحد المعاهد المتخصصة، حيث درس الرسم الهندسي، والمنظور، والتشريح، والتلوين تحت إشراف البروفيسور (فابي fabbi). وحتى يتمكن من دفع مصاريف الدراسة والعيش هناك بدأ في تسويق أعماله الفنية لدى الصالات المتخصصة في بيع أعمال الفنانين في كل من (فنيسيا) و(ميلانو).
وبعد إتقانه القواعد الأساسية في الرسم.. وزيارته للمتاحف والمعارض ومراسم الفنانين في ايطاليا.. تخصص برسم الوجوه (البورتريه)، وكانت الواقعية الاتجاه الغالب على أعماله.. وبهذا الصدد يقول: ”استمررت في هذا الاتجاه لأنني اهتممت أكثر بالتاريخ والتراث، ولا يمكن للفنان أن يسجل تاريخه وتراثه بالسريالية أو التجريد.. بشكل عام أنا متعايش مع المدارس الفنية الأخرى، لكن ركزت على الأسلوب الواقعي الذي يحتاج إلى تضحية وجهد وتدقيق
بعد تخرجه في الجامعة قام برحلات كثيرة عبر العالم زار خلالها أغلب المتاحف العالمية.. ورأى خلال زياراته مدى اهتمام الأجانب بتراثهم وتاريخهم.. وهنا سأل نفسه: لماذا لا يعود إلى ذاكرته ويرسم العادات والتقاليد الاجتماعية الليبيةالقديمة الأصيلة؟ وأجاب على سؤاله في أواخر السبعينيات وبالتحديد في عام 1978 عندما حط في بريطانيا، حيث أقام فيها أربعة عشر عاماً.
في هذه الفترة اتخذ مرسماً له في لندن وبدأ يرسم كل ما يتعلق بالعادات والتقاليد الشعبية الليبية القديمة.. ورأى من واجبه أن يحييها للأجيال القادمة.. حتى يتعرفوا كيف كان أجدادهم يعيشون.. وكيف كانت العاب الأطفال.. والبيت.. والحوانيت.. والشارع في ليبيا.. فرسم وسجل بصدق وأمانة دون زيف أو تكلف على مسطحات لوحاته من الذاكرة كيف كان التراث الليبي القديم.
والجدير بالذكر أن الفنان عوض عبيدة لا يقوم ببيع لوحاته.. لأنه لم يتخذ في يوم من الأيام من الرسم مصدرا للرزق من جانب كما أنه يعتبرها مثل أولاده من جانب آخر.. لذلك لا يفرط فيها على أمل أن يضمها متحف وطني للتراث والتاريخ يستفيد منه أبناء شعبه.
ولحين تحقيق أمله.. افتتح الفنان “عوض عبيدة ” معرضه الدائم في مجمع نادي الفروسية بمدينة بنغازي، هذاالمعرض لا يعتبر معرضاً عادياً يقدم من خلاله الفنان تجربته الفنية، بل هو أقرب للمتحف منه للمعرض، حيث تعكس لوحاته الموجودة فيه والمرسومة بتقنيات متعددة: قلم رصاص حبر صيني، فحم، اكر يلك، جواش، زيت.. بانوراما الحياة في مدينة بنغازي في فترات مبكرة من القرن الماضي، ويقدم من خلال تلك البانوراما العادات والتقاليد وكل ما يتعلق بالمظاهر الاجتماعية المختلفة.. مثل المناسبات الدينية، والحرف والمهن التقليدية والصناعات الصغيرة المحلية، والأطفال في ألعابهم، ورصد الكثير من وجوه المدينة المميزة، في”بورتريهات”.. بالإضافة إلى ذلك يحتوي المعرض على لوحات تمثل الريف وبدو ليبيا ومضاربهم.. ومعارك الأجداد والآباء ضد المحتل الأجنبي.. هذا المعرض الذي يمثل تاريخ ليبيا في القرن الماضي.. هو كل ما يملكه الفنان عوض عبيدة وهو رصيده في الحياة، بل وكل ثروته.
مواضيع لوحات الفنان عبيدة المستمدة من الواقع الليبي وعاداته وتقاليده عالجها بواقعية تنحوا نحو التعبيرية في الشكل والتأثيرية في اللون.. أما اختياره للظل والنور فقد جاء مناسباً تماماً لطبيعة الطقس في ليبيا، حيث يمتاز بشدة الضوء الذي يقل بالتدريج خلال ساعات النهار، مما يتيح للفنان اختيارات متعددة لتجسيد درجة الضوء الساقط على الشخوص والأماكن في لوحاته.. كما وظّف الفنان اللون، لتجسيد خصائص الأسطح المختلفة مثل الرؤوس والملابس وجدران البيوت وبعض مناطق الأرضيات.
بقي أن نشير بأن الفنان عبيدة عرض أعماله في أغلب العواصم الأوربية وبعد عودته إلى ليبيا أقام العديد من المعارض في طرابلس، شحات ودرنة.. وله معرض سنوي في شهر رمضان المبارك في مدينة بنغازي، وحصل على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير من مختلف الهيئات والمؤسسات.. منها: وسام الفاتح العظيم من الدرجة الأولى بمناسبة العيد الثاني والعشرين لثورة الفاتح.. وشهادة تقدير بمناسبة عيد المعلم الثاني، وشهادة تقدير من اللجنة المشرفة على مهرجان المدينة الثقافي ببنغازي عام 1993.
كما أقام معارض كثيرة خارج الجماهيرية منها معرض في دمشق عام 1956 ومعرض في المغرب عام 1994 برعاية الملك الحسن الثاني، وكان تحت شعار “التواصل والتطابق في التراثين المغربي والليبي”. وقد قلده الملك الحسن الثاني وسام الفن. ومعرض في أبو ظبي عام 2000.