ذاكرة ثقافية
تُسلط الضوء على أبرز الشخصيات الثقافية والفنية في ليبيا، من فنانين، إعلاميين، شعراء، ومبدعين آخرين ممن أسهموا في إثراء المشهد الثقافي الليبي
الفنان التشكيلي علي قانة
السيرة الذاتية
الفنان المعلم.. علي قانه
هو من أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم ليبيا، فهو فنان ومعلم، جمع بين الممارسة والدراسة، كتب عنه الأستاذ “جمال اللافي”: (كان الأستاذ علي قانة صاحب رسالة واكبت مسيرة حياته. ورؤية واضحة لكل إشكاليات العصر تميزت بالنضج والعمق وهو ما ميز تجربته التعليمية والمهنية والشخصية على حد سواء. لهذا استحق لقب المعلم عن جدارة واستحقاق. كما لقبه المخرج السينمائي الليبي محمد المسماري بلقب آخر هو (موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا) وذلك بعد أن قام بتصوير سيرة هذا الفنان واطلع من خلالها على تبحّره في كل مجالات الفنون التشكيلية من خلال مجموعة من الأعمال والمساهمات الإبداعية.).
ولد “علي سعيد قانة”، بمدينة طرابلس، في الـ6 من يونيو للعام 1936، وتحديداً في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة، لأسرة ترجع أصولها إلى مدينة (نالوت) الجبلية، غرب ليبيا.
التحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما – إيطاليا في العام 1957، حيث درس النحت بمدرسة (سان جاكومو للفنون الزخرفية)، وخلال فترة حياته في روما، حرص على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعها.
بعد عودته إلى ليبيا، التحق بمعهد للمعلمين (ابن منظور) للتدريس عام 1964. ثم انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح -سابقاً- في 1973، لينضم من بعد إلى كلية الهندسة، بالجامعة، بقسم العمارة والتخطيط العمراني في العام 1974، حيث تولى تدريس أسس التصميم والرسم الحر، حتى تاريخ تقاعده في 2001. كما عمل مستشاراً للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة.
أثناء فترة عمله بقسم الهندسة المعمارية، تجاوزت تجربته حدود مادة الرسم الحر، لتشكل تحولاً كبيراً في حياته المهنية والفكرية، حيث تميزت علاقته بأعضاء هيئة التدريس، وطلاب القسم بالعمق وسعة الأفق وبعد النظر وغزارة المعرفة المدعومة بالتطبيق، حيث مثّل وجوده رافداً مهما من روافد التعريف بالتراث العمراني المحلي والسعي الدؤوب لإيجاد صيغة معاصرة لمفهوم وتطبيقات التراث المعماري والحرفي في جميع مناحي الحياة. وتتويجاً لهذا الجهد، منح درجة ماجستير فخرية من كلية الهندسة في العام 1992، تقديراً لنشاطه العلمي والفني المميز.
وفي 1993، كانت له تجربة متميزة أخرى في مجال التدريس بكلية الفنون الجميلة والإعلام، بقسم الخزف، لم يكتب لها الاستمرارية لظروف خارجة عن إرادته وطموحه التعليمي، فترك التدريس بهذه الكلية عام 1996، ليتفرغ نهائياً لتلاميذه بقسم العمارة.
يمتلك الفنان “علي قانه” رصيداً هائلاً من الأعمال التوثيقية للمعالم المعمارية الإسلامية، لمختلف المدن الليبية القديمة، الأمر الذي جعله موسوعة، ومرجعاً لعديد الدارسين والمهتمين بالجانب المعماري تاريخياً.
كما إنه أقام وشارك في عديد المعارض التشكيلية محلياً ودولياً، حيث اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفنية، كما كلف عند عودته إلى ليبيا بإعداد تمثالين رأسيين للشاعرين “أحمد الشارف” و”أحمد رفيق المهدوي”، وكلف أيضاً بالتصميم والإشراف على تنفيذ هدية الفارس الليبي في العام 1979.
في الـ22 من شهر إبريل للعام 2006، انتقل المعلم والفنان التشكيلي “علي سعيد قانة” إلى رحمة الله، عن عمر يناهز السبعين عاماً، إثر اعتلال صحته.
قام الفنان “محمد المسماري” بإخراج شريط وثائقي عنه بعنوان (المعلم علي قانة.. موسوعة التشكيل الليبي)، الذي رصد سيرة حياة الفنان، ومجموعة لأعماله الفنية، إضافة لحوار أجراه معه الشاعر “مفتاح العماري”، ومجموعة لآراء مجموعة من الفنانين التشكيليين والمختصين في الجانب الفني.
في العام 1996، تقدم بطلب لإنشاء مدرسة خاصة لتعليم الفنون، لكن هذا الطلب ظل حبيس الأدراج ولم ير النور.
وها هو الحلم يعود من جديد، وإن بشكلٍ مختلف، وهذه المرة من خلال “هاديه قانة” ابنة الفنان والمعلم “علي قانة” التي عشقت الفن، وتشربته من والدها، حيث قامت بتحويل بيت الأسرة، إلى متحفٍ للفنون التشكيلية باسم (متحف علي قانه).
وخطت “هادية” أولى خطواتها في العام 2011 بإتمام ما بدأه والدها، وذلك بتسجيل المتحف كمؤسسة تحمل الطابع الشرعي والقانوني لتمارس من خلاله كل الأنشطة الفنية والثقافية التي تحلم بها، أي تكوين قاعدة أساسية لمركز بحوث فني تعليمي يضم الجميع، بمن فيهم الأطفال والمواهب والفنانين، وأصحاب الخبرات ومحبي الفنون على أنواعها، وكذا الباحثين عن ملاذ ثقافي يبعدهم عن هموم كثيرة.